الخلوة الروحانيه-شروط-واستخدام
الخلوة الروحانيه-شروط-واستخدام-
40يوم خلوه شرح شامل
إن الرياضات بُعدٌ للخلوة وهي إلجام النفس تجاه الرغبات البدنية وحث الروح المشتاقة إلى المعالي، نحو سماء الكمالات الإنسانية. نعم، بالرياضات وحدها يمكن إلجام النفس، وبالرياضات يمكن أن تُدفع النفس إلى ترك ما افتتنت به من الأحاسيس، وبالرياضات يمكن أن تُقحَم النفس مضطرة إلى التسليم والانقياد، وبالرياضات يمكن أن تعوَّد النفس على التواضع والمحوية، حتى تكون ترابًا تطأه الأقدام، وهذا هو طريق استنبات الأزهار:
وكن أرضًا لينبُتَ فيك وردٌ...... فإنّ الوردَ مَنبِتُهُ التـرابُ
وبطريق الرياضات يمكن أن ينال كل فرد ألطافًا معينة.. منهم الذين يهذّبون الأخلاقَ بالعلم والعملَ بالإخلاص ويبلغون شعور الأدب في معاملاتهم سواءً مع الله سبحانه أو مع الخلق.. ومنهم الذين يجدون أنفسهم دائمًا في مدّ وجزر لدى معاملاتهم مع ربهم، ويبحثون بحثًا دؤوبًا عن طرقٍ تقرّبُهم أكثر إلى ربهم الجليل من دون أن يدعوا لحظة تفوتُهم.. ومنهم من ينسلخ من غلافه الصلب -كما ينسلخ اليعسوب- ليديموا حياتهم في العوالم السماوية التي ارتقوا إليها توًا بين الروحانيين الذين هم فراشاتها.
إن الأصل في الخلوة هو الانتظار متهيئًا لتوجه منه سبحانه، ليل نهار، دون أن ترتد عين القلب نحو الأغيار قطعًا. هذا الانتظار في الوقت نفسه ليس أمرًا سلبيًا قط، بل هو انتظار ذو تمكين، يمضي مع آداب الخلوة مع الله وعيون القلب متفتحة بانفعال وحرص لئلا تفوتها الوارادات التي تسيل إلى القلب.
ومعلوم أن الله سبحانه منـزّه عن الزمان والمكان، ولكن معاملاته مع الإنسان تجري دائمًا على سفوح القلب. وعليه لا بد أن تكون تلال القلب الزمردية مستعدة دائمًا لاستقبال أمواج التجليات الآتية منه تعالى
"القلب بيت الله طهّره مما سواه
لينـزل الرحمن في الليالي على قصره"
وقد أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام:
"يا داود، إني حرمت على القلوب أن يدخلها حبي وحب غيري معًا
أي: أفرغ لي ذلك البيت كي أكون هناك. وقد فهم البعض أن الإفراغ هو تطهير القلب وتصفيته من التفكير في الأغيار وإبعاده عن الملاحظات الغريبة، ومن العلائق التي لا تذكّر بالله ولا طائل من ورائها.