شرح التنويم المغناطيسي للعلاج
كلمة التنويم تسمية غير دقيقة لحالة وعي متغير شبيه بالنعاس الذي يسبق النوم أو حلم اليقظة. وهي حالة تحدث بصورة طبيعية وتلقائية لدى كل شخص عدة مرات يومياًً مثلاً عند قيادة السيارة في الطريق السريع أو الاستغراق العميق في القراءة أو مشاهدة التلفاز..
عرف التنويم من عهود بعيدة كوسيلة علاجية عند قدماء المصريين والإغريق واليونانيين حيث يلجأ المرضى إلى معابد النوم ليقوم الكهنة بطقوس لتنويمهم وتحليل أحلامهم لتشخيص حالاتهم المرضية ومن ثم تلاوة التعاويذ والصلوات عليهم لشفائهم من أمراضهم.
أول شخص اقترن اسمه بالتنويم في العهد الحديث هو الطبيب النمساوي" أنتون مسمر" الذي أتى بنظرية" المغناطيسية الحيوانية" التي تفترض أن جسم كل كائن حي يحتوى على سائل مغناطيسي غير مرئي يسري بتوافق وانتظام في جميع أرجاء الجسم؛ وفي حالة اضطراب سريان هذا السائل أو نقصه أو ركوده يعتل الجسم عضويا أو نفسياً.
أول الأمر كان يعالج مرضاه عن طريق المس بقضيب من المغناطيس للجزء العليل من الجسم لكي يعيد سريان المغناطيسية بانتظام ولكنه اقتنع أخيراً أنه يمكنه شفاءهم عن طريق مغناطيسيته الذاتية بمجرد أن يمس بيده الجزء العليل من جسم المريض أو حتى التلويح بيده أمام هذا الجزء العليل. وبالرغم من نجاحه في علاج كثير من المرضى وقتها والشهرة التي أكتسبها والتي أكسبته غيرة وعداوة نظرائه من الأطباء، إلاّ أن لجنة علمية تكونت بأمر ملك فرنسا وقتها قررت خطأ نظريته ودمغ بالشعوذة والدجل، مما أضطره للتقاعد. وتم لاحقاً تفسير شفاء مرضاه لاعتقادهم القوى في قدرته على شفائهم مع توقعهم للشفاء واستجابتهم لإيحاءاته القوية. والجدير بالذكر أن كثير من تلامذته استمروا في استغلال هذه الوسيلة العلاجية التي آمن بها عدد كبير من الأطباء والممارسين في جميع أرجاء.أوروبا مطلقين عليها اسم" المسمرية" تخليدا لمسمر.
عرّف هذه الحالة باسم" التنويم" عام 1840 الطبيب الاسكتلندي "جيمس بريد" معتقدا خطأ بأنها حالة نوم طبيعي وهو شخصيا أكتشف خطأه وحاول تغيير الاسم ألاّ أن ذلك لم يحدث وتمسك الجميع بكلمة التنويم إلى يومنا هذا.
كما ذكرت سابقا فعملية التنويم عبارة عن تغير في حالة الوعي مع استرخاء بدني وعقلي عميق بسكن أو يتحيد عندها العامل الناقد المحلل للعقل الواعي سامحاًَ لكل الإيحاءات المرغوبة للمريض للوصول إلى العقل الباطني لتغيير نظم معتقداته ولإحداث التغيير المطلوب الذي يؤدي إلى شفائه أو تخليصه من كل العوامل السلبية في حياته.
ومن المعروف أن هذا العامل الناقد للعقل الواعي يقوم باعتراض كل إيحاء لا يتوافق مع قناعات المريض بالكامل ولكن عندما يتم تحييده أو إسكانه أو ألهائه أثناء عملية التنويم يستطيع المعالج توصيل كل الإيحاءات المرغوبة للشخص إلى عقله الباطني.
في يومنا هذا يتم علاج الكثير من المرضى عن طريق التنويم.
وما اكتشف التنويم إلاّ كوسيلة علاجية وطوّر بواسطة أطباء عظام بدأ بمسمر "1734-1815 ومرورا ببريد"1795-"1816 و أليوستون 1791-1868 ببريطانيا و شاركوت وليوبولد بفرنسا و فرويد بالنمسا و أريكسون الأمريكي في منتصف هذا القرن وكل هؤلاء الرواد الكبار من الأطباء كانوا يمارسون التنويم للعلاج فقط .
ولسخرية القدر عندما قلّ الاهتمام بالتنويم بترك فرويد له واهتمامه بالتحليل النفسي أغتنم الفرصة بعض المسرحيون ليدخلوه في عروضهم الغنية كأداة للتسلية والضحك وإعطاء المشاهد الانطباع بقدراتهم الخارقة أو السحرية في التحكم على الغير والسيطرة على عقولهم.
وهكذا ولد التنويمالمسرحي الذي أساء كثيرا للتنويم العلاجي و ألصق به كثيرا من المعتقدات الخاطئة التي يصعب أزالتها من العقول بسهولة. التنويم المغناطيسي للعلاج
أضف كذلك أن السينما والتلفزيون ساهما في هذا الانطباع السلبي.
الطب الحديث يعترف بالتنويم كوسيلة علاجية مكملة ومنذ منتصف هذا القرن أوصت الجمعيتان الطبية الأمريكية والجمعية الطبية البريطانية بتدريس طلبة الطب وتدريبهم على التنويم كوسيلة علاجية في مختلف التخصصات.
والآن يمارس التنويم بواسطة الأطباء الباطنيون في علاج الأمراض النفس جسدية مثل القولون العصبي والربو الشعبي والصداع النصفي.
أما أطباء الولادة فيستعملونه في عملية التوليد بدون ألم.
وكذلك أطباء الأسنان في خلع الأسنان وأطباء الجلدية لعلاج حالات الجلدية كالأكزيما وأمراض الحساسية.
وأطباء التخدير في إجراء العمليات الجراحية بدون تخدير.
أما الأطباء والأخصائيون النفسيون فيستغلون التنويم لممارسة العلاج النفسي إذ أن الشخص المنوم يستجيب لهذه المعالجات بصورة أسهل وأسرع لاستطاعة المعالج استرخاء المريض بصورة أعمق مع تجنب تدخل العقل الواعي المحلل المنتقد في عملية العلاج.
والآن في كل البلاد المتحضرة يتدرب عدد كبير من الممارسين من غير الأطباء والأخصائيين النفسين ليساعدوا الكثير من الناس للتخلص من العادات غير المرغوبة لديهم كعادة التدخين مع تدعيم صورة الذات والثقة بالنفس والتحفيز لتحقيق الأهداف.